
محمد الغربللي:
ذكرت جريدة «الوطن» في عددها الصادر في 4 ديسمبر الجاري، أن السلطتين، التشريعية والتنفيذية، وصلتا إلى صيغة توافقية بشأن التجنيد الإلزامي، لعرضه خلال هذا الشهر على مجلس الأمة في الجلسة العامة أثناء مناقشة القانون في لجنة الداخلية والدفاع، على أن يصار إلى تطبيقه في العام المقبل، واللجنة المذكورة – الداخلية والدفاع – حامت حولها علامات الاستفهام عند تشكيلها لدورة المجلس الحالي، حيث تمَّت إزاحة أو إقالة النائب سلطان اللغيصم من رئاستها، لأسباب لم يُفصح عنها، وتولى رئاستها النائب عبدالله معيوف، وماجد موسى مقرراً لها.. على كلٍ، هذا موضوع آخر، وما يهم الآن أن قانون الخدمة الإلزامية مطروح على هذه اللجنة، تمهيداً لعرضة على مجلس الأمة هذا الشهر، والخدمة الإلزامية هي بيت القصيد، وأهم المواد التي تحدَّث عنها هذا القانون هي خضوع المواطنين ما بين سن 18 حتى 28 للخدمة الإلزامية، ولن يحق للمواطن المجند التوجه لتولي أي عمل إلا بعد إتمام الخدمة.
ملاحظات عدة
لدينا ملاحظات عدة على إعادة الخدمة الإلزامية.. بدايتها أن هذا المجلس عامة وتكوين هذه اللجنة بالذات التي أطاحت برئيسها قبل تولي مهامه، في سابقة تحدث لأول مرة في تاريخ المجلس، هي لجنة غير قادرة على إضفاء رؤية فنية أو تشريعية أو الدخول في تفاصيل وآلية تنفيذ هذا القانون القديم – الجديد، يُضاف إلى ذلك ما يشبه الهيمنة من جانب السلطة التنفيذية عليها، لذا ستكون مسيّرة، كحال المجلس المسيّر، وهذا ثابت من خلال تاريخه القصير الذي شهد استقالة خمسة نواب منه، وبالتالي، فإن ما سيُتلى على أعضاء اللجنة ستتم الموافقة عليه، طوعاً أو قسراً.
ثانيا، كانت تجربة التجنيد الإلزامي التي انتهى العمل بها بعد الغزو العراقي تجربة ركيكة جداً وعنوانها هدر وضياع وقتالمجندين، وتواضع أعداد العسكريين، وافتقاد للمنهجية العلمية العسكرية للأعداد الموجودة، وهدر كبير جداً في الأموال، من جراء ما يُصرف على المجندين، من إعاشة وملابس.. وغيرها من مستلزمات التجنيد، يُضاف إلى ذلك، تأثر العديد من الجهات، وبالذات المؤسسات والشركات، في أعمالها، من جراء التحاق المجندين بالخدمة الإلزامية خلال فترة السنة التي يقضونها في المعسكرات من دون أعمال عسكرية محددة.
إذن، هي تجربة ومتواضعة يفترض أن تُدرس إخفاقاتها قبل المضي في تنفيذ وتطبيق هذا القانون العام المقبل، بما في ذلك دراسة عملية لأعداد من خضعوا للتجنيد الأول، أي قبل الغزو، لاستطلاع آرائهم عما تعلموه من أداء عسكري، وما تلقوه من فائدة أثناء فترة تجنيدهم التي قضوها مرغمين.
ونعتقد جازمين أن مثل هذه الدراسة ستكشف تواضع وتردي الأداء والتحصيل، وعدم الاستفادة إطلاقاً طوال فترتهم الإلزامية.
مسلكان متناقضان
الملاحظة الثالثة، أننا نجد أنفسنا خارج نطاق الفهم والمنطق، ففي الوقت نفسه الذي تقدم به الحكومة هذا المشروع نجدها من ناحية أخرى تقدم الامتيازات والمحفزات لمن يرغب بالتقاعد من الجيش النظامي، بكل قطاعاته، بما في ذلك الحرس الوطني و»الداخلية».. وجدنا شبابا في عز عطائهم، وبعضهم لم يصل إلى سن الخمسين، فضلوا الحصول على تلك المميزات وترك الخدمة العسكرية والتقاعد.. ألا يفترض من أعضاء لجنة الداخلية والدفاع مطالبة الحكومة، أو أعضاء في مجلس الأمة، عند عرض هذا القانون عليه، بقائمة كاملة للسنوات العشر الأخيرة، تتضمَّن أسماء وأعمار مَن تقاعد من السلك العسكري، إن كان في وزارة الدفاع أو الحرس الوطني وحتى «الداخلية»؟
هنا سيظهر التناقض بالأرقام ما بين المسلكين.. تسريح وفي الوقت ذاته تجنيد، ومن باب أولى الاحتفاظ بالمهنيين من العسكريين، بدلا من المتطوعين الملتحقين بالخدمة الإلزامية.
يفترض بأعضاء المجلس، أو لنقل بعضهم، مطالبة الحكومة ببرنامج تفصيلي واضح محدد المهام للمجندين، وعدم الاكتفاء بالقانون الذي سيعرض عليهم، حتى لا تتكرر تجربة الخدمة الإلزامية التي جرى تطبيقها قبل عام 1990، ويفترض في الجهة التي وضعت هذا القانون وقدمته للمجلس، ممثلة بوزارة الدفاع، أنها أعدَّت مثل هذا البرنامج التفصيلي لما سيتم تقديمه لمن يتم استدعاؤه للتجنيد، بدلا من أن يطبق البرنامج اعتباطيا ووفقا للاجتهاد، أو نوعا من ركن هؤلاء الشباب على الرف مع تدريب لا فائدة منه، عدا العمل على انقضاء المدة الزمنية المخصصة لهم من دون فائدة. مَن يقدم هذا المشروع يفترض به أن يقدم ليس تصورا عاما فحسب، بل برنامجا محددا وتفصيليا للخدمة العسكرية وللكوادر اللازمة والمؤهلة لتنفيذه.. لا يمكن القول مثلا إنك ستدرس اللغة الإنكليزية وليس لديك مدرسون يتولون تدريسها، فهذا يعد كلاما عبثيا لا جدوى منه.
خشية مشروعة
أخيراً، يعد التجنيد الإلزامي، بكوادر مؤهلة، جزءا من المنظومة العسكرية، وليس جسماً دخيلاً أو معطلاً لديها، وما لم يكن مثل هذا التصور موجودا بأدواته العلمية، فسوف نكرر التجربة السابقة، في وقت تتعالى فيه الأصوات، بما فيها الأصوات الحكومية، بضرورة وقف الهدر المالي السائح، وبالذات في السنوات الأخيرة.
ونخشى أن يأتي هذا القانون ليصبح جدولا يصب في نهر الهدر الكبير، أموالا وأوقاتا، من دون فائدة، ما لم تتوافر فيه كافة مقومات النجاح، وهي غير موجودة أو معدومة، ما لم تكن أدواتها وعناصرها كاملة ومتوافرة.