
كتب محرر الشؤون الخارجية:
هما ساعتان كانتا كافيتين لعقد الاجتماع الأعلى.. مدة زمنية قصيرة جداً تمَّت في جلسة واحدة، تخللتها ثلاث خطب، فقد كان المطلوب من القمة الخليجية تثبيت مكان إقامتها، الدوحة، بعد «الزعل» والجفاء الثلاثي، الذي طرأ منذ أشهر، وأدَّى إلى سحب ثلاثة سفراء خليجيين من العاصمة القطرية.. أما البيان الذي صدر في نهاية القمة، ففيه من الملاحظات ما لا يمكن القفز عليه، فهو انعكاس عن خلو القمة من المواضيع التي تم بحثها.. ولعل ما جاء في الجانب الاقتصادي ما يشير إلى الشيء الكثير، فقد أتى نص البيان الختامي بالقول «وأشاد المجلس الأعلى بما تحقق في دول المجلس من تنمية شاملة في مختلف المجالات، وعبَّر عن ارتياحه لمعدلات النمو التي تشهدها اقتصادات دول المنطقة»، كما ظهرت دول الخليج مليئة بالآلام، من جراء انخفاض أسعار النفط، وربما تصل ميزانيات البعض منها إلى حالة العجز، في ظل هذا الانخفاض المتواصل.. وحدها أسعار النفط تستحق الدراسة من قِبل الجهات النفطية والمالية الخليجية، بما يحفظ حقوق ومصالح دول الخليج، مجتمعة، ولكن في هذه القمة لم يؤتَ على ذكر الجانب النفطي، وهو موقف يتماشى مع موقف دول الخليج في اجتماع «أوبك» الأخير، بالإبقاء على إنتاج النفط كما هو، وترك الأسعار وفق آلية السوق.
لا بأس، ولكن ألا يستحق العمود الفقري لاقتصادات البلدان الخليجية، ولو جملة عابرة، لتتكون نظرة استراتيجية للوضع، وتتشكل رؤية تكاملية، وليس تنافسية وصراع؟
هذا الموضوع تُرك على حاله، وتم الاكتفاء بما ورد في الجانب الاقتصادي.
الصعيد العربي
أما على الصعيد العربي، فقد تطرَّق البيان لأوضاع عدة دول عربية، منها مصر والعراق واليمن وليبيا وسوريا.. ففي الجانب المصري، منح المجلس تبريكاته للرئيس السيسي ولخارطة الطريق التي أُقرت، وقد تم ذكره بالاسم، نوع من التأييد الجماعي من جميع الدول الخليجية الست، مع أن هناك مناهضة من قِبل مجاميع لا يمكن الاستهانة بها في مصر، وحتى من أصحاب وجماعات ثورتي 25 يناير و30 مايو، من جراء ما يجري في مصر، وما يشبه العودة للنظام السابق من الناحيتين الفعلية والاقتصادية.. وهذا القول ليس من أطراف معارضة، بل من وزراء كانوا في مجلس الوزراء المصري، كوزير التربية والتعليم العالي، الذي لم يترك المنصب إلا منذ مدة قصيرة، وأيضا من كُتاب ومفكرين محسوبين على النظام الحالي والأقرب لتيار الرئيس عبدالفتاح السيسي.
الجانب السوري
أما في الجانب السوري، فقد أتى البيان بصيغته المعهودة والمكررة بنصه «أعرب المجلس الأعلى عن بالغ قلقه واستيائه من استمرار تدهور الأوضاع الإنسانية للشعب السوري، لإمعان نظام الأسد في عمليات القتل والتدمير، وأكد على الحل السياسي للأزمة السورية، وفقا لبيان «جنيف 1».. وإزاء هذه العبارة، لنا وقفة بعض الشيء، ففي صياغة هذه الفقرة لتحميل نظام الأسد وحده مسؤولية تدهور الوضع في سوريا، إبعاد للحل السياسي وخروج عنه.. وإذا قمنا بنوع من المقارنة بين هذه الفقرة والفقرة التي وردت في البيان المتعلق بشأن سوريا بعد الاجتماع الثنائي الذي تم بين الرئيس المصري وملك الأردن الأسبوع الماضي عندما نص البيان على «أهمية التوصل إلى حل سياسي شامل للأزمة السورية ينهي معاناة الشعب السوري ويحفظ وحدة وسلامة أراضيه»، نجد أن هذا البيان خلا من أي إدانة مسبقة، وأتى بصياغة تهدف إلى النية السليمة بالتوجه نحو الحل السياسي، بخلاف بيان القمة الخليجية.. أما بشأن الوضع الإنساني، فجميعا نتذكر النداء أو التصريح الصادر من الأمم المتحدة بشأن الإعانة المقدمة للشعب السوري، عندما بين أن مَن يتحمَّل نزوح اللاجئين هي الدول العربية الفقيرة، أما الغنية، فنأت بنفسها عن هذا الأمر. وليس خافيا أن الكويت رفضت عقد مؤتمر ثالث للدول المانحة للشعب السوري، من جراء عدم التزام العديد من الدول التي أعلنت عن هبات وتبرعات للشعب السوري في المؤتمرين الماضيين، لكنها لم تفِ بتعهداتها التي بقيت مجرد كلمات ووعود أعلنت في المؤتمر من دون تنفيذ.
انتخابات تونس!
وأخيراً، وإن بحث المؤتمر في أوضاع بعض الدول العربية وبارك خارطة الطريق للفريق الرئيس السيسي، إلا أنه أغفل تماما إرسال أي تحية أو تبريكات للانتخابات البرلمانية التي جرت في تونس، وكذلك الانتخابات الرئاسية القادمة التي ستجري هذا الشهر!
هي قراءة سريعة لبيان يعبّر عن واقع مجلس فيه من عدم التعاون الشيء الكثير.. وهذا ليس طموح شعوبنا كجزء من الشعب العربي.