
تتوالى حالات الانتحار التي تطالعنا بها الصحف المصرية، وقد أصبحت اعتيادية، وكأنها أخبار روتينية.. حالة اليأس التي طالت الجميع تكلل المظهر المأسوي لهذه الحالات التي اختارت لحظة موتها كما يبدو، ولو على سبيل المجاز! لكن اللافت في الأمر، أن مسألة الانتحار لم تعد قاصرة على فئة بعينها، بل شملت الجميع.. العامل والموظف والميسور الحال، مقارنة بغيره من الصاعدين إلى خالقهم، أو المنتظرين في طابور قرارهم الحاسم. حالات مشابهة حدثت في إيران وقت استتباب السلطة الدينية، وكأنها صرخة ضالة في وجه هذه السلطة والقائمين عليها. إلا أن الجديد في الأمر هنا، أن المنتحرين أصبحوا يصنفون وفق ميولهم السياسية، وهو ما يتصدر الخبر الصحافي، بغض النظر عن معرفة الملابسات.
أولها، انتحار فتاة تدعى زينب المهدي، وأنها كانت عضوا بحملة المرشح الرئاسي المتأسلم عبدالمنعم أبوالفتوح، والأخير شاب في منتصف العشرين يدعى «إسلام»، لا يهم ماذا يعمل أو يفعل، إلا أن الخبر يأتي متصدراً عبارة أنه عضو بـ «حركة 6 أبريل»!
وبخلاف حالات الانتحار السابقة، كحالة العامل الذي تم تسريحه من العمل، فاختار شكلاً دعائياً للرفض، بأن شنق نفسه مُعلقاً بإحدى لوحات الإعلانات المنتصبة بإحدى الطرق السريعة، وآخر تدلى من شرفة مسكنه، وامرأة هناك وأخريات لم يتم الإفصاح عنهن، خشية الفضيحة والعار الدنيوي قبل الأخروي! المسألة التي توحد فيها الجميع، هي طريقة الانتحار/الشنق، وهو أمر يُثير الجدل، وخاصة أن هناك طرقاً أكثر هدوءاً من حالة الهلع هذه التي تسبق إنهاء الحياة، هناك إصرار على الألم، وطريقة الشنق مرتبطة بالمخيلة بحالات الإعدام، وتنفيذ الأحكام على المذنبين، فلأي ذنب قتلوا أنفسهم؟ وهل تساوت معهم المحصلة للحياة والموت؟ ولماذا تصرّ وسائل الإعلام على تشويه المنتحرين وفق الانتماء لفصيل سياسي مغضوب عليه؟ هل لبث حالات اليأس لدى الجميع، وبالأخص الذين يرون أن الفترة الحالية من أسوأ الفترات التي مرَّت على مصر.
الجو البوليسي الخانق، والحل الأمني العاجز الذي تنتهجه السلطة للحفاظ على نفسها في المقام الأول، ولتثبت للآخرين أن قوتها من الممكن أن تكون مصدراً للثقة والاستقرار؟
أم سلطة مُتأرجحة تكاد تتشابه وأجساد تتدلى من مشانقها، وجدت ضالتها في النهاية، وخاصة أن هذه السلطة تسعى في صلف إلى مصيرها المحتوم، بخلاف هؤلاء اليتامى الذين اختاروا نهاياتهم في قليل من شجاعة وكثير من خذلان؟