رضي الموسوي : الانتخابات جاءت لتكرس الأزمة السياسية الدستورية ولم تلتفت إلى التداعيات الخطيرة

رضي الموسوي
رضي الموسوي

بقلم: رضي الموسوي

بعد قرابة أربع سنوات من تفجر الأزمة السياسية الدستورية، التي عصفت بالبلاد وفاقمت الأزمات المعيشية، ووترت أجواء السلم الأهلي والاستقرار الاجتماعي، قررت السلطات البحرينية تنظيم الانتخابات النيابية والبلدية في الثاني والعشرين من نوفمبر الماضي، حيث فاز في السباق النيابي 6 نواب من الجولة الأولى، فيما بقي 34 مقعداً لجولة الإعادة، التي أقيمت يوم السبت 29 نوفمبر الماضي.

يمكن القول إن هذه الانتخابات جاءت لتكرس الأزمة السياسية الدستورية، ولم تلتفت إلى التداعيات الخطيرة، التي من شأنها تعقيد الأوضاع السياسية في البحرين. فبعد أن قررت القوى الوطنية الديمقراطية مقاطعة الانتخابات، بسبب رفض الحكم الشروع في الحل التفاوضي والوصول إلى تسوية سياسية شاملة جامعة، أصبحت هذه الانتخابات بلا قيمة سياسية، بل وتحولت إلى حالة ضغط على الجميع، خصوصاً النظام الذي أراد الدخول في لعبة النسب والأرقام المشاركة، في حين فندت المعارضة هذه الأرقام، ولم تتوقف عندها مطولاً، لسبب بسيط، هو أن الأزمة أكبر بكثير من تنظيم انتخابات لا يشارك فيها نصف الشعب البحريني على الأقل.

أولاً: أجواء ما قبل الانتخابات

رغم شعور قوى المعارضة بأن الحكم يمارس عملية تقطيع الوقت، إلا أنها اتخذت قراراً استراتيجياً هو السير في الحوار التفاوضي، والالتزام بالمنهج السلمي في التعاطي مع الأزمة السياسية، رغم تغول الدولة الأمنية وزيادة الانتهاكات. وعليه، اعتبرت المعارضة لقاء سمو ولي العهد وأمين عام الوفاق الشيخ علي سلمان، منتصف يناير 2014، خطوة مهمة على طريق تحريك الحوار الثنائي، الذي أكد ولي العهد أهمية السير فيه، حيث أعقبه لقاء المعارضة اليتيم مع وزير الديوان الملكي، حيث قدمت القوى الوطنية الديمقراطية المعارضة مرئياتها من جديد إلى وزير الديوان الملكي في الأسبوع الأول من فبراير 2014. ومع تعقد المشهد، كانت الاتصالات وتبادل الرسائل هي الجو السائد حتى منتصف سبتمبر الماضي عندما فوجئت المعارضة بإعلان خمس نقاط، والطلب من مجموعة من الشخصيات الوطنية التوقيع عليها، تعد قفزة في المجهول، وتعززت أكثر مع صدور مرسوم بقانون الدوائر الانتخابية، الذي فصل الدوائر على مقاسات طائفية، ما زاد من توتر الأجواء وقطع الطريق على إمكانية مشاركة المعارضة في المنافسة الانتخابية.

لقد تلقت المعارضة رسالة الحكم بصبر وحكمة، وقررت مقاطعة الانتخابات، واعتبرتها انتخابات صورية لا قيمة لها، ولا يمكن لها أن تسهم في حل الأزمة المستفحلة.

ثانياً: التهديد بعقاب المقاطعين

فجأة تحولت اللجنة العليا للانتخابات إلى سلطة تشريعية تسن القوانين والعقوبات، فبدأت في تهديد الذين لا يشاركون في الانتخابات بقطع الخدمات العامة عنهم، وأنهتها بعد الجولة الأولى بدعوتهم لختم جوازات سفرهم لكي لا يحرموا من المشاركة مستقبلاً، كما أقدم 25 رجل دين، بينهم تسعة قضاة، إلى إصدار فتوى نشرت في الصحافة المحلية على شكل إعلان مدفوع الثمن، أفتوا فيه «أن حكم المشاركة في الانتخابات في البحرين هو الوجوب الشرعي بأدلة نقلية وقواعد شرعية»، وفق نص البيان الذي ساق الموقعون عليه سبعة أدلة لتأكيد وجوب الذهاب إلى صناديق الاقتراع.

 إن الديمقراطية، التي يفترض أن الانتخابات تجري في ظلها، تعرف بأنها حق الإنسان في إبداء رأيه من دون فرض من أحد أو من قوة على ما يرغب في البوح به، لكن الدفع بالمشاركة أعمى الكثيرين عن هذه القاعدة، واعتقدوا بأنها بطاقة سفر باتجاه واحد هو المشاركة في الانتخابات.

ثالثاً: لعبة الأرقام والنسب 

أراد الجانب الرسمي أن يدخل البلاد في لعبة الأرقام من حيث المشاركة، فوجه الإعلام إلى تصوير بعض المراكز العامة في المجمعات التجارية، كما هي الحال مع المركز العام في مجمع السيف، ليقول للرأي العام إن نسبة المشاركة كبيرة. وهكذا كان، فقد اعتمد على التهديد بفرض العقوبات والفتاوى، ثم قدم بروباغندا إعلامية فشلت مع أول أرقام صدرت من القائمين على العملية الانتخابية.  لقد كان واضحاً أن الجانب الرسمي كان مرتبكاً ومتشنجاً ومتخوفاً من المشاركة، أولاً، أن الغالبية العظمى من المترشحين هم جدد على العمل النيابي والسياسي، ولم يعرف عنهم النشاط العام، ثانياً، أن الإحباط والعزوف الواضح، الذي تبين في حجم زوار الخيم الانتخابية في كل المناطق، أثار خوف القائمين على العملية الانتخابية، فكان التهديد بالعقوبات أقصر الطرق لمواجهة هذا الإحباط. ربما كان واضحاً أكثر في مركز الدائرة الانتخابية العاشرة في المحافظة الجنوبية، حيث صوّت أقل من 30 شخصاً فيها للمتنافسين، وجاءت المراكز العامة لتقدم أكثر من 800 صوت.. فمن أين أتى كل هؤلاء.. هل كانت هناك زحمة في مركز الدائرة؟

لقد كان الإعلان عن نسبة المشاركة من الجانب الرسمي يشير إلى 52.6 في المائة للنيابي و59.1 للبلدية، وهي نسب فندتها المعارضة ولم تتوقف عندها مطولاً، وقالت إن نسبة المشاركة تحوم حول 37 في المائة، فالموضوع ليس نسباً بقدر ما هو استمرار للأزمة السياسية الدستورية.

 ان توزيع الدوائر يفضح الهدف من القانون الجديد: ففي الوقت الذي بلغ فيه متوسط عدد الناخبين في كل دائرة بالمحافظة الجنوبية 7128 ناخباً، بلغ في المحافظة الشمالية متوسط 9955 ناخباً، أي بزيادة قدرها أكثر من 2800 ناخب، وفي المحرق 8577 ناخباً، والعاصمة 9034 ناخباً، علماً بأن حجم الكتلة الانتخابية في الشمالية 119467 ناخباً ولها 12 دائرة، والجنوبية 55879 ولها 10 دوائر، والمحرق 68618 ولها 8 دوائر، بينما بلغت الكتلة الانتخابية في العاصمة 90349 ناخباً.

 رابعاً: دور المراكز العامة

كان موقف المعارضة في 2002، ولا يزال، هو أن المراكز العامة بدعة انتخابية، ويجب التوقف عن استخدامها في هذه العملية، باعتبارها تشويهاً لها، وكان رد الجانب الرسمي أن هذه تساعد من لا يستطيع الوصول إلى مركز الدائرة أو من كان على سفر يوم الانتخابات وغيرها من المبررات.

لكن ما حدث في الانتخابات الأخيرة يبين الحاجات الرسمية لها، فكيف يمكن هضم ذهاب أكثر من 27 في المائة من أصوات الناخبين إلى المراكز العامة؟ هذا وفق الإحصاءات الرسمية التي لا يستطيع أحد التأكد منها، نظراً لغياب المراقبين الدوليين الذين يتواجدون في العادة في كل الانتخابات التي تنتظم في الدول الديمقراطية أو الدول حديثة العهد في هذا الطريق، مثل تونس.
ربما وجود المراكز العامة في مجمعات التسوق وعلى الحدود وتصويرها بوجود الجموع الغفيرة.

خامساً: تكريس الأزمة السياسية وفشل الدولة الأمنية

يتضح من الاستعراض أعلاه أن الأزمة السياسية الدستورية هي الفيصل والحكم في مدى نجاح أو فشل تجربة انتخابات 2014، وبما أن القوى المعارضة قاطعت هذه الانتخابات، ولم تتمكن السلطة من إيجاد بديل كانت تبحث عنه لهذه المعارضة، فإنه يمكن القول إن الانتخابات النيابية والبلدية عمَّقت الأزمة السياسية، ولم تتمكن من حل الأزمات المعيشية.

ففي الدول الديمقراطية التي يجرى فيها تداول السلطة تكون الانتخابات هي المتركز الأساسي للعملية السياسية من حيث تنافس الأحزاب ببرامج لحل الأزمات والصعوبات الاقتصادية والمعيشية والسياسية التي يعانيها مجتمع تلك الدولة، حيث إن الحزب الفائز بأغلبية الأصوات هو الذي يتمتع بأحقية تشكيل الحكومة الجديدة، وهو الذي يبدأ في تطبيق برنامجه الذي بشر به الناخبين.

إلا أن البحرين ليست كذلك، فليس هناك تداول للسلطة، ولا يحق للكتلة الأكبر أن تشترك حتى في تعيين وزير واحد، فما بالكم بتشكيل الحكومة، فضلاً عن أن التوجه الراهن هو إيجاد سيف مسلط على المجلس المنتخب، الذي عليه أن يوافق على برنامج الحكومة، وإلا سيكون مصيره الحل وتنظيم انتخابات جديدة.

وفي ظل وجود الغالبية الساحقة من أعضاء المجلس من المستقلين وغياب الكتل الحزبية، فإن الحديث عن تطوير التجربة النيابية في ظل هذه الشروط يكون صعباً جداً إن لم يكن مستحيلاً. لقد تضخمت الدولة الأمنية، وأصبحت تضغط على كل مفاصل الحياة، وتحولت الانتهاكات إلى سلوك يومي، آخره استهداف منزل الشيخ عيسى قاسم بالدراز، وهو أمر مرفوض ومدان.

سادساً: الوحدة الوطنية

انتهت أجواء الانتخابات، إلا أن الأزمة السياسية ستبقى تحفر في البلاد، وستبقى الأزمات المعيشية، ومنها التجنيس السياسي والفساد والتمييز، بكل أشكاله.. هي أزمات تهدد البلاد، فضلاً عن الإرهاب الذي بدأ يطل برأسه من زاوية قرية الدالوة في الإحساء، لكن المحور الأكثر خطورة، هو مسألة الوحدة الوطنية. فقد لاحظنا كيف أن الكتل الحزبية التي شاركت في الانتخابات قد حرمت من تمثيلها في المجلس أو على الأقل لم تمثل كما يجب، فضلاً عن الكتل التي قاطعت، وبالتالي، فإن مسألة الوحدة الوطنية تبقى هي النقطة المركزية التي ينبغي أن يتمحور حولها نضالنا الوطني الديمقراطي لتأسيس الدولة المدنية الديمقراطية، التي تعتمد المواطنة المتساوية واحترام حقوق الإنسان والسعي لبناء العدالة الاجتماعية.

* الأمين العام لجمعية العمل الوطني الديمقراطي البحرينية (وعد)

Print Friendly, PDF & Email

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.