
محمد الغربللي:
الأحكام التي صدرت في مصر، أخيراً، أو ما يُسمى بـ«محاكمة القرن»، التي تم بموجبها تبرئة حسني مبارك وولديه من عدة تهم ووزير داخليته حبيب العادلي وقيادات أخرى من «الداخلية»، هي في الحقيقة ليست تبرئة رئيس سابق من الجرائم المختلفة التي ارتكبت بحق مصر، من تزويد الغاز لإسرائيل بأسعار مخفضة جداً عن أسعار السوق، إلى الاختلاسات التي تمَّت في عهده أو قتله لمتظاهري يناير في ميدان التحرير والإسكندرية وغيرها من المدن المصرية، بل هي تبرئة نهج كامل ثبته أنور السادات، وأرسى وشق وعمَّق طريقه نظام حسني مبارك.
البلايين من الدولارات دفعت من دول، لتبرئة هذا النهج والاستمرار به، بل لنقل ترسيخه أكثر وأكثر، فكل ما تم دفعه لا يعد كبيرا مقابل الثمن.. ليس مئات الملايين، بل بلايين الدولارات.. هذا غير الهبات المجانية، نفطا أو أموالا، وبالتالي المقابل يفترض أن يكون باهظا، ومنه تبرئة حسني مبارك وولديه ورجاله.. ولا عجب أن يقول وزير التربية المصري في حكومة حازم الببلاوي د.حسام عيسى في حديث له «إن القضية لم تتمثل في ترشيح جمال مبارك للرئاسة، وإنما خطورة الأمر تمتد إلى رجال مبارك وقوتهم الاقتصادية والمشاريع الخدمية».. هذا ما صرَّح به لجريدة الشروق المصرية في عددها الصادر يوم الثلاثاء الأسبوع الماضي.
نهج اقتصادي
هذا النهج يتمثل في عقد صفقة تعاقدية مع شركة إسرائيلية، لتزويد مصر بالغاز، ضمن عملية تكامل اقتصادي، وهي مرحل تتعدَّى التطبيع.. نهج يستدعي هدم وردم كافة الأنفاق ما بين غزة وسيناء منذ يونيو 2013، واستمرار هذه السياسة.. نهج يتعمَّد إغلاق معبر رفح أمام المحتاجين للسفر وهم بالآلاف بغرض التطبيب أو الدراسة، وليس رغبة بسياحة «أو شمة هوا».
نهج ذكره الصحافي زهير أندرواسي من الناصرة في صحيفة رأي اليوم، ونقلاً عن صحيفة هارتس الإسرائيلية، التي كشفت «النقاب عن وجود خط جوي مدني مباشر بين إسرائيل وإحدى الدول الخليجية، والتي امتنعت عن ذكر اسمها، لحساسية الموضوع».. خط طيران من مطار بن غوريون الدولي، ومن هناك تتم الرحلات الجوية، ليس للسياحة ومشاهدة الصحراء العربية، بل بغرض إجراء الأعمال و«البزنس»، وأشارت الصحيفة في موضوعها هذا ونقلا عن الموقع الإلكتروني الفرنسي «Intelligence Online» إلى أن رجل الأعمال الإسرائيلي ماتي كوخافي يقوم بتزويد إحدى الدول الخليجية بالأدوات والماكينات اللازمة لحراسة آبار النفط، وتبلغ قيمة الصفقة 500 مليون دولار.. وأضافت الصحيفة، نقلاً عن موقع إسرائيلي رسمي، وجود ممثلية إسرائيلية في إحدى الدول الخليجية تم افتتاحها عام 2012.
أتعاب كبيرة
إذن، هي ليست تبرئة للرئيس الأسبق وعودته للحياة الطبيعية، فقد وصل من العمر عتيا، وليست تبرئة ابنيه اللذين سينعمان بما كسبا، ولا العادلي، الذي سيجد النفوذ ممن رعى مصالحهم، ولايزالون متحكمين في مفاصل الدولة المصرية، كما يذكر وزير التربية السابق، بل تبرئة نهج أشادت به إسرائيل، وأعلن أحد مسؤوليها الأمنيين أن علاقتهم مع مصر في أوج تلاحمها وتنسيقاتها منذ توقيع اتفاقيات كامب ديفيد.
وأتعاب هذه التبرئة كبيرة وضخمة، فهي ليست موجهة لخدمة الرئيس حسني أو ولديه، بل إعادة نهج سابق قبل ثورة 25 يناير إلى مساره مرة أخرى.