
على الرغم من حدة المناقشات التي تشهدها الكويت حالياً، فإن المناخ العام يفيد بوجود نوع من الفراغ في العمل السياسي، ونوع من المراوحة في طرح المواضيع نفسها، ولو بوسائل جديدة، وبتعابير مختلفة.
قد يصح القول أيضاً إن الخلافات تستهلك كثيراً من رصيد قوى يفترض بها أن تطرح هموم المواطن، وأن تواكب العصر بكل معاني الكلمة، بعيداً عن الحساسيات السياسية، وعن الهموم الشخصية البحتة.. فيكون هناك تفاعل حقيقي مع المستجدات، واحترام لمختلف مكونات المجتمع، وعدم الاكتفاء بطرح مسألة معينة، ثم التخلي عنها.
الفراغ يلمسه المواطن العادي، وعلى غير صعيد، هناك فجوة بين المزاج الشعبي، الذي يتمتع بالحيوية والانطلاق الحي، وغياب الحوار الحقيقي وانعدام وجود برامج لدى السياسيين لمعالجة الثغرات ولحل المشكلات.
إنها بالتالي أزمة ثقة، وذات تشعبات وتداعيات عدة.
وفي غياب أي رؤى أو برامج سياسية واجتماعية وإنمائية، وغياب دور فاعل للسياسيين، لابد أن تتولد وسائل أخرى للدفاع عن مصالح الناس الحيوية، الأمر الذي قد يؤدي إلى توتر في المناخ العام، وحالة من الضبابية الشديدة والارتباك، ولغة الطائفية، وانتشار النفاق السياسي، وسياسة الجمود، والتشويش يسود المشهد السياسي في الكويت.
لا شك في أن الفراغ السياسي يكون له «حضوره» وتأثيراته على المجتمع، في حال عدم وجود برلمان فاعل، وبرامج حكومية واضحة المعالم.
ومن البديهي القول إن هناك جملة من التساؤلات تُطرح حول مَن الذي سيملأ الفراغ، فيما تخلو الساحة من سياسيين قادرين على التعاطي مع المستجدات، كما تخلو من أفكار جديدة، بأن تعبر عن مطامح المواطنين.
ولا ننسى أن للفراغ السياسي تأثيره على مشاريع التنمية والإصلاح، وهناك أناس منعزلون أو متقوقعون حول أنفسهم أو يراقبون ما إذا كانت ستحصل يقظة في الأداء البرلماني وفي الفكر السياسي.
بالطبع، هناك أشخاص يبادرون، في حالة كهذه، إلى محاولة ملء الفراغ، وقد يكونون موضع ثقة، لكنهم قلائل، أو إمكاناتهم ضئيلة.
مُجمل هذا السياق ستدفع البلاد ثمن تداعياته، والمَخرج من الفراغ ينبغي أن يكون عبر الحوار البنَّاء والتوافق، والسعي لإعادة الروح إلى المؤسسات، وعدم انتظار حصول أزمة فراغ نعود بعدها إلى العمل السياسي الجاد والمؤسساتي.
ولابد أن يتخلى الجميع عن روح التحدي والانتقام وتصفية الحسابات، وتبادل الاتهامات، وأن يعمل الجميع من أجل مصلحة البلد، وصون أمنه واستقراره.
نأمل بتغليب لغة الحوار والتفاهم ورأب الصدع، والخروج برؤية استشرافية وخطوط عريضة، وأن نخطو خطوة تاريخية لإعادة التأهيل للمشهد العام، حتى لا يفضي هذا الفراغ إلى حالة من الانسداد السياسي، ونحتاج إلى تصور سياسي جديد ينسجم مع الحالة السياسية الراهنة، فحجم الفراغ السياسي يجعلنا ندور في حلقة مفرغة.